الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز
هو الخليفة الثامن بين خلفاء الدولة الأموية، وهو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي القرشي، ويكنى بأبي حفص، ويلقب بعمر الثاني، وُلد في السنة 61 للهجرة في المدينة المنورة، ونشأ وترعرع في كنف اخواله ذوي عمر بن الخطاب، وتركوا والصحابةِ عظيم الأثر في نفسه، وعُرف بأنه شغوف بالعلم، وتولى الخلافة على المدينة المنورة في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك؛ واتسعت دائرة ولايته فيما بعد لتشمل ولاية الطائف ليصبح والي الحجاز بأسرها سنة 91 هـ، وعُزل عن سدة الحكم فيما بعد لتحظى دمشق بولايته عليها، وأصبح وزيرًا ومستشارًا لسليمان بن عبد الملك، وتولي الخلافة بعده سنة 99 هـ، وانفردت فترة خلافته بالكثير من السمات الحميدة كالعدل والمساواة ومحاسبة الفاسدين وعزلهم من مناصبهم، ورد المظالم التي ارتكبوها بني أمية مسبقًا، ورسخ جذور مبدأ الشورى وأعاد العمل به مجددًا، والكثير من الإنجازات حتى أصبح يضرب المثل بخلافته.
مواقف عمر بن عبد العزيز
الموقف الأول:
جلس عمر بن عبد العزيز أمام المنبر مصدومًا بعد توليه الخلافة، ولم ينطق ببنت شفة حتى جاء رجل وأعلن بيعته فبايعوه الناس جميعًا؛ فقال كلامًا يوزن بالذهب؛ ومنه: إني لست بفارض ولكني منفذ، ولست بمبتدع ولكني متبع.
الموقف الثاني:
رفض الخليفة ركوب الموكب المؤلف من الخيول والدواب المدربة والمزركشة بأفخم أنواع الزينة، وكانت هذه الخطوة أولى مواقفه التي أحدثت تغييرًا جذريًا في المناطق التي خضعت لخلافته.
الموقف الثالث:
رفض الخليفة عمر بن عبد العزيز استقبال الشعراء في مجلسه، ففتح أبوابه لأصحاب الحوائج والعلماء والناصحون فقط، فانصرف الشعراء عنه تمامًا وخاصةً أصحاب الدنيا والمنافقين.
اقرأ أيضًا: أهم الشخصيات التاريخية العربية
روائع عمر بن عبد العزيز
من أكثر روائع عمر بن عبد العزيز التي شهد لها التاريخ وأفتخر بها المسلمين على مر الأزمان القصة الشهيرة التالية:
عاشت الأمصار الخاضعة لحكمه برخاء وعز واستقرار غير مسبوق، وفي يوم من الأيام تعالت أصوات الشكاوي للخليفة بعدم وجود أماكن تُخزن بها الزكاة والخير في الأمصار المفتوحة مصر والشام وأفريقيا، وكانوا يطلبون النجدة منه وينشادونه لإفادتهم ماذا يفعلون بهذا الفائض من الخير، فأمرهم بالطواف في ديار المسلمين والمناداة بهم: ” أيها الناس؛ من كان عاملًا للدولة وليس له بيت يسكنه فليبن له بيت على حساب بيت مال المسلمين، يا أيها الناس من كان عاملًا للدولة وليس له مركب يركبه؛ فليشترِ له مركب على حساب بيت مال المسلمين، يا أيها الناس؛ من كان عليه دين لا يستطيع قضاؤه؛ فقضاؤه على حساب بيت مال المسلمين، ﻳﺎﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ: ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺳﻦ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﻭﻟﻢ ﻳﺘﺰﻭﺝ، ﻓﺰﻭﺍﺟﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎﺏ ﺑﻴﺖ ﻣﺎﻝ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ.
عدل عمر بن عبد العزيز
تمكن الخليفة الأموي بن عبد العزيز من تطبيق مبدأ العدل والمساواة بين أبناء شعبه بكل شجاعة، فكانت وجهة نظره تتمحور حول اعتبار أن المسؤولية يتم تنفيذها عند منح الناس حقوقهم، والانقياد لشروط بيعتهم والخضوع لها، وضرورة العمل الدؤوب وبذل المجهود في تحقيق مصلحتهم المشروعة، فالخليفة مسؤول عن تنفيذ المطالب العادلة وفقًا لما ورد من شروط في البيعة، ويذكر بأنه قد راسل الحسن البصري ليسأله حول صفات الإمام العادل، فرد عليه الأخير قائلًا:
«الإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده؛ يسعى لهم صغاراً، ويعلمهم كباراً، يكتب لهم في حياته، ويدخرهم بعد مماته. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البّرة الرفيقة بولدها، حملته كرهاً، ووضعته كرهاً، وربته طفلاً، تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، ترضعه تارة وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته، وتغتمّ بشكايته. والإمام العدل يا أمير المؤمنين وصيّ اليتامى وخازن المساكين، يربي صغيرهم. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كقلب بين الجوانح، تصلح الجوانح بصلاحه، وتفسد بفساده. والإمام العدل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويُسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد إلى الله ويقودهم. فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملَّكك الله كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله، فبدَّد وشرَّد العيال، فأفقر أهله وفرَّق ماله”.
اقرأ أيضًا: أعظم شخصيات التاريخ الإسلامي
أشهر أقوال عمر بن عبد العزيز
من أشهر الأقوال المتناقلة عن لسان الخليفة عمر بن عبد العزيز:
- اجتنبوا الاشتغال عند حضرة الصلاة، فمن أضاعها فهو لما سواها من شعائر الإسلام أشد تضييعًا.
- لا تقطع صديقًا وإن كفر، ولا تركنْ إلى عدو وإنْ شكر.
- ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله تركُ ما حرَّم اللهُ وأداء ما افترض اللهُ، فمن رزق بعد ذلك خيرًا فهو خير إلى خير.
- انثروا القمح على رؤوس الجبال؛ لكي لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين.
- كونوا دعاةً إلى الله وأنتم صامتون، قيل: كيف ذلك قال: بأخلاقكم.
- أدركنا السلف وهم لا يرون العبادة في الصوم، ولا في الصلاة ولكن في الكفِّ عن أعراض الناس.
وفاة عمر بن عبد العزيز
انقضت سنتان وبضع أشهرٍ من حكم الخليفة عمر بن عبد العزيز بالرفاهية ورغد العيش والاستقرار والطمأنينة، لكن أيدي الغدر قد تربصّت له لتنال منه في سنة 101هـ، ويقال بأنه مات بعد صراعٍ مع المرض، إلا أنه في الحالتين قد خسرت الأمة هذا الخليفة العادل، فوارى جثمانه الطاهر أرض معرة النعمان في بلاد الشام، وكان حينها لا يتجاوز عمره 40 عامًا.
أبرز إنجازات عمر بن عبد العزيز
- نشر العلم بين أبناء الشعب.
- الحرص على نشر الدين الإسلامي وتفقيه الناس به.
- تدوين الحديث النبوي الشريف.
- تحقيق المساواة بين بني أمية وسائر المسلمين في الأغطيات.
- كف يد الظالم تمامًا عن العمل.
- رفع شأن المظلومين.