يانسونغ ما
كان تكوينه على يدي “بيتر أيزنمان” و “زها حديد”، إنه الأشهر بين المهندسين المعمارين الصينيين. بجمعه بين الثقافة الصينية والرؤية الغربية، “يانسونغ ما” يحلم أن تعيش روح الغابات في قلب المدن.
النظر إلى المستقبل على أنه الأفق الوحيد، الجرأة على المغامرة والنظر إلى الأشياء بطريقة مختلفة، إنها الخطوط التي يسير عليها “يانسونغ ما”.
شركة “جويلي” البارسية تستضيف المهندس في كاليفونيا ليتكلم عن مدينة الغد.
مباني متموجة
المعماري الصيني، الذي أنشأ وكالة (أم أي دي) كبر في آسيا وأكمل دراسته في الغرب. في أعماله يجمع بين الثقافتين، صحيح أنهما مختلفتان جدا ولكنهما تجتمعان في نفس الوقت حيث الاستدامة والبيئة والتواصل الاجتماعي، عناصر محددة لمشروع المدينة.
قاعة حفلات في بكين، عمارة في باريس، متحف في لوس أنجلس: يانسونغ صاحب 43 سنة يبني كثيرا. ما هو مذهبه؟
تخيلوا مهندسا معماريا متشددا للحداثة ويشيد لجمال الطبيعة بغية أن يجمع الناس ويحقق لهم الهدوء. ما هو طرازه؟
مباني بأشكالها المتموجة كأبراج العالم المطلقة في تورنتو وفندق الشيراتون هوتشو أول ناطحة سحاب في العالم على شكل حلقة الذي ينعكس ارتفاعها 101 متر في بحيرة تايهو.
أو أيضا تشاويانغ بارك بلازا والأبراج التوأم الذي يمنح لأفق بكين الإخضرار ومظهر مدينة غوثام الكرتونية.
عمران شعري
“يانسونغ ما” مهندس يحلم بغابات حضرية ويتصور البناء على أنه تجربة يجب أن تغذي الروح،
«مدننا تعاني من مشاكل كبيرة: تنقصها الطبيعة، ينقصها الجوهر الروحي. ساكنوها لا يقومون إلا بالعيش والعمل، لم يبقى لهم تلك المشاعر التي تتدفق من بيئتهم»..
يوضح المعماري الذي يتذكر المدن الصينية كيف كانت في صغره، مفعمة بالحياة والجيران الذين يتحدثون بينهم ويتفاهمون مع بعضهم. «كانت مصدر للإبداع، إنها تثير نوعا من الشعرية المتناغمة مع المنظر والطبيعة. اليوم نبني بسرعة مجموعات كبيرة بدون روح ولكن بعدد أكبر من الشقق» يضيف الذي بدأ حياته المهنية عام 2000م عند “بيتر أيزنمان” في نيويورك وعند “زها حديد” في لندن.
لقد كانا لوقت طويل من مادحي العمارة التفكيكية، وليسوا من أولائك الذين يضيفون المساحات الخضراء للمباني، «صحيح، (يعترف يانسونغ ما) لقد كنت وقتها طالبا شابا، لقد كانا ممن تلهمهم أشكال الهندسة الطلائعية الروسية والفلسفة التفكيكية لجاك دريدا، بعدها أنتجت زها حديد عمارة أكثر عضوية والتي أعتقد أنها وجدت تأثيرها على الطبيعة».
-اعتبار المدينة على أنها تابعة للطبيعة
دائما ما شُبه استعمال هذه الأخيرة (زها حديد) للتقوسات بأعمال تلميذها، «عندما تقيَّم أعمالي، دائما ما يذهبون إلى هذا، إنها ردة فعل عادية، بالنسبة للناس الهندسة المعمارية تبقى قبل كل شيء قصة من الأشكال والهندسة، ليس الأمر بهذه السهولة قبل أن أرسم العمارات والمدن أبحث أولا عن تكوين جو ومناخ معين».
«أريد أن أبيّن أنه حتى ناطحات السحاب العملاقة يمكنها أن تأوي كُمنة روحية»
كيف؟ بفضل شان شوي، مفهوم آسيوي وأيضا مستعمل في الفن الكلاسيكي، يستخدم الشعر لوصف المنظر، «الحداثة رسخت فينا فكرة أن المنتجات الطبيعية والمصنوعة من الإنسان تتعارض.
ثقافة الشان شوي تنطلق من فكرة أن الكل من يد الإنسان، الذي يزرع الحدائق وينظم نباتاته ويغطي الأشجار في الشتاء ليمنع عنها البرد. إذًا يمكن اعتبار المدينة على أنها تابعة للطبيعة،
وهو الحال بالنسبة للبروج العملاقة التي يمكن بدورها أن تأوي كمنة روحية»..
إقرأ أيضاً: أغرب 5 مباني معمارية في العالم مع صورها
-بالدموع أمام المحيط
“يانسونغ ما” يذكر على سبيل المثال “سولك” معهد الدراسات البيولوجية في “سان دييغو” الذي بني من طرف المهندس المعماري الأمريكي لويس كان عام 1965م. معلم مذهل مفتوح على المحيط الهادي، «بجدرانه الخرسانية وخطوطه الدقيقة المتعامدة، إنه يستجيب لقانون العمارة الحديثة، إلا أنه يواجه فراغ البحر ويثبِّت ذلك المكان اللامتناهي أين يلتقي الماء مع السماء، إنه أمر مذهل أن تعيش هذه التجربة، لقد رأيت أشخاصا جالسين وهم يبكون أمام هذا المنظر، الأمر الذي يُظهر جليا قوة هذا المكان الذي يجمع بين الهندسة المعمارية والطبيعة ليصنع هذه المشاعر العاطفية المرهف.
في بعض الأحيان أتخيل الأشخاص الذين سيأتون إلى هذا المكان بعد مائتي عام، سيعيشون في مجتمع مغاير لمجتمعنا وتكون لهم تكنولوجيا أكثر تطورا ولكن أنا متأكد أنهم سيعيشون نفس المشاعر» يمكن قول نفس الكلام على تحفة فنية.
الفن في بنيته الشاملة للبناء، يانسونغ ما بكل تأكيد مهتم بهذا الأمر، «عنده هذه المزية أين يتفوق على الهندسة بطريقة لا يمكن شرحها، يمكن الشعور بذلك، إنه ينادي المشاعر، بينما لنفهم البناء عليك بالقراءة والكتابة كثيرا»، هكذا اقترب يانسونغ من الدنماركي أولافور إلياسون، الذي قام بتقليد مظاهر طبيعية وجعلها أجسام أعماله. «لقد رأى أعمالي في معرض “بينالي” للهندسة المعمارية بالبندقة، وأنا رأيت مشروعه “ويثر بروجكت” في معرض “تيت مودرن” بلندن وقد أعجبني»، معا أنشآ عام 2010 مشروع “فيلينغ أر فاكتس” في بيكين، عبارة عن مرفق خالي تماما في الداخل ممتلئ بضباب مصنوع وكرة ضوئية، أين يفقد الإنسان كل معالمه، «لم تكن فنا ولم تكن هندسة معمارية، لكن مجرد مكان لفهم إدراكنا للمحيط، من خلال التفكير والتجارب يمكننا تغيير الأشياء، ومن ثم تحسين مدننا الحالية من خلال تخيل مدن الغد».
المصدر:
Quand l’architecture s’inspire des beautés de la nature
شـاهد أيضاً..