أجمع كثير من علماء النفس أن النجاح وسيلة وليس غاية.. ويكاد يكون الوسيلة الأولى أو الكبرى أو الأساسية أو بدون مبالغة الوسيلة الوحيدة لتحقيق السعادة.. أنا ناجح إذا أنا سعيد، وأنا سعيد لأنني نجحت.
النجاح وسيلة لتأكيد الذات.. لكي أقول (أنا) بفخر واعتزاز، لا شيء يُجمل صورتي عن نفسي قدر النجاح، فأستطيع أن أقول أنا جميل، وإذا كنت أشعر أنني جميل سأكون واثقا بنفسي.. والثقة بالنفس تبعث على الطمأنينة أي زوال الخوف وتبديد الحيرة وإختفاء التوتر وسيطرة التفاؤل والتوقع الحسن والإقدام بشجاعة.
إذا، النجاح علاج للنفس القلقة، الخائفة، المتشائمة، اليائسة.. النجاح من أحسن مضادات القلق ومن أفضل مضادات الإكتئاب، ولولا النجاح لركدت الحياة وأبطأت ثم توقفت.. النجاح يؤدي الى تتابع الخطوات الى الأمام وصعودا الى السماء.. وحينئذ يصيح الإنسان الناجح: لقد تقدمت وارتفعت، أنجزت وأضفت، فكرت فأردت ففعلت فأصابني التوفيق. أي تحقق ما أردت، وفي غمرة النجاح ينسى الانسان الغنيمة ولا يفكر الا في أنه ناجح.. أي ليس مهما المكسب أو العائد الذي تحقق ولكن الأهم هو أنني استطعت.. وهذا ما نعنيه بأن النجاح وسيلة وليس غاية.. وسيلة لسعادة النفس وليس غاية لتحقيق مكاسب.
ولهذا، فالنجاح ضرورة حياة.
أرجو أن تتذكر هذه العبارة.. النجاح ضرورة حياة.. فأنا أدعي أنني نحتُ هذه العبارة.
وكما أكدنا فاثار النجاح نفسية وليست مادية نفعية إذ يتحقق من خلال النجاح الأتي:-
1- إكتمال إحساس الإنسان بذاته وتحققها.
2- تحسين صورة الذات فنراها جميلة وجديرة بكل ما هو طيب.
3- الطمأنينة بمعنى زوال الخوف والقلق والثقة بالنفس.
4- السعادة بمعنى الشعور بالفرح وزوال الاكتئاب.
وثمة أثار ثانوية للنجاح مثل الشعور بالفخر والزهو والحصول على إعجاب الناس وتحقيق مكانة متميزة لديهم ودعم العلاقة معهم، وهي كلها أثار تنطوي أساسا على منافع نفسية وليست مادية.. ولكن هذا لا يمنع الانسان من الاستمتاع بالأثار المادية التي تحققت من خلال نجاحه، فالصياد يشعر بالنشوى البالغة وهو يرفع سنارته من أعماق الماء الى الهواء محملة بالسمكة ولكنه يسعد أيضا بيعها أو إلتهامها بعد شيها.. واللص أيضا يصل الى ذروته وهو ينجح في اقتحام خزانة ولكنه يسعد ايضا بالمال الذي يجده داخلها.
وأبدا لا تضيع اللحظات النفسية الرائعة المصاحبة للإنجاز أمام طغيان المكاسب المادية، إلا أنه في الظاهر تبدو سعادة النجاح وكأنها بسبب ما حصل عليه من مكاسب.. ولا يرى الأخرون اللذين يرقبونه الا هذا الجزء المادي والذي قد يحسدونه عليه وهو ما يسمى بالنجاح الخارجي أو النجاح الذي يتحدث عنه الناس (مال-سلطة-جائزة-شهادة دراسية).. ولكن النجاح الداخلي هو الأعظم والأهم والسابق على النجاح الخارجي، إنه النجاح مع النفس، إنه الضوء الذي يشع بالداخل فيرى الانسان مناطق الجمال والقوة من نفسه، يرى عظمته واقتداره، يرى نتائج صدقه واجتهاده، يزيد يقينا بأهمية القيم النبيلة في تسديد خطاه، يرى نور الله الذي أضاء له طريقة ووفقه وأوصل يده الى الثمرة ليقطفها، وهنا يشعر الانسان الناجح أول مايشعر بالسلام النفسي فيقول (الحمدلله) ويشعر بالقوة والمناعة والثقة بالنفس فيقول (لا حول ولا قوة الا بالله) ويطالع انجازه أمام عينيه فيقول (ما شاء الله وما توفيقي الا بالله).
هذا هو النجاح الداخلي، أو نجاح الداخل الذي تحقق، أو النجاح الفعلي الحقيقي والذي أوصل الانسان الى غايته في الحياة، الايمان بالله والصفاء النفسي، وهي لحظات روحية نورانية يرتفع فيها الانسان فوق سطح الأرض الى عنان السماء ويفقد فيها احساسه بماديته وتربيته ودونيته مقتربا من الجمال الرباني الاخاذ.
ومن هنا تحيء الدعوة الإلهية للانسان أن يعمل، وأن يتقن بالعمل، وأن يشهد الناس على عمله لينتفعوا به، وحث الله على التفوق والتميز والتسابق وفتح باب الاجتهاد على مصراعيه ودعا الى طلب العلم ورفع سبحانه وتعالى مكانة العلماء.
من كتاب: كيف تصبح عظيماً لـ د. عادل صادق
إقرأ أيضاً
همسات في طريق النجاح